mk.l

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
mk.l

منتديات mk.l لكل ما يخص الشاب العربي


3 مشترك

    ظهور التتار

    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 42
    تاريخ التسجيل : 02/12/2010
    العمر : 28
    الموقع : www.mklove.yoo7.com

    ظهور التتار  Empty ظهور التتار

    مُساهمة  Admin الإثنين ديسمبر 20, 2010 11:05 pm

    د. راغب السرجاني
    ظهرت قوة التتار في أوائل القرن السابع الهجري، وحتى نفهم الظروف التي نشأت فيها هذه القوة لابد من إلقاء نظرة على واقع الأرض في ذلك الزمان.

    الناظر إلى الأرض في ذلك الوقت يجد أن القوى الموجودة كانت متمثلة في فئتين رئيسيتين وهما: أمة الإسلام، والصلبيون.

    الفئة الأولى: أمة الإسلام
    المساحات الإسلامية في هذا الوقت كانت تقترب من نصف مساحات الأراضي المعمورة في الدنيا، كانت حدود البلاد الإسلامية تبدأ من غرب الصين وتمتد عبر آسيا وأفريقيا لتصل إلى غرب أوروبا حيث بلاد الأندلس. وهي مساحة شاسعة للغاية، لكن وضع العالم الإسلامي -للأسف الشديد- كان مؤلمًا جدًا.. فمع المساحات الواسعة من الأرض، ومع الأعداد الهائلة من البشر، ومع الإمكانيات العظيمة من المال والمواد والسلاح والعلوم.. مع كل هذا إلى أنه كانت هناك فرقة شديدة في العالم الإسلامي، وتدهور كبير في الحالة السياسية لمعظم الأقطار الإسلامية.

    والغريب أن هذا الوضع المؤسف كان بعد سنوات قليلة من أواخر القرن السادس الهجري.. حيث كانت أمة الإسلام قوية منتصرة متحدة رائدة.. ولكن هذه سُنة ماضية، قال تعالى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140].

    العالم الإسلامي في أوائل القرن السابع الهجري
    ولنلق نظرة على العالم الإسلامي في أوائل القرن السابع الهجري:
    الخلافة العباسية: وهي خلافة قديمة جدًا؛ فقد نشأت بعد سقوط الدولة الأموية العظيمة في سنة 132 هـ، وفي مطلع القرن السابع الهجري ضعفت الخلافة العباسية جدًا، حتى أصبحت لا تسيطر حقيقة إلا على العراق، وتتخذ من بغداد عاصمة لها منذ سنة132هـ، وحول العراق عشرات من الإمارات المستقلة استقلالًا حقيقيًا عن الخلافة، وإن كانت لا تعلن نفسها كخلافة منافسة للخلافة العباسية.. فتستطيع أن تقول: إن الخلافة العباسية كانت "صورة خلافة" وليست خلافة حقيقية، وكانت كالرمز الذي يحب المسلمون أن يظل موجودًا حتى وإن لم يكن له دور يذكر.. تمامًا كما يُبقي الإنجليز الآن على ملكة إنجلترا كرمز تاريخي فقط، دون دور يذكر لها في الحكم، بخلاف الخليفة العباسي الذي كان يحكم فعليًا منطقة العراق باستثناء الأجزاء الشمالية منها.

    وكان يتعاقب على حكم المسلمين في العراق خلفاء من بني العباس حملوا الاسم العظيم الجليل: "الخليفة"، ولكنهم (في هذه الفترة من لقرن السابع الهجري) ما اتصفوا بهذا الاسم أبدًا, ولا رغبوا أصلا في الاتصاف به؛ فلم يكن لهم من همّ إلا جمع المال، وتوطيد أركان السلطان في هذه الرقعة المحدودة من الأرض، ولم ينظروا نظرة صحيحة أبدًا إلى وظيفتهم كحكام، ولم يدركوا أن من مسئولية الحاكم أن يوفر الأمان لدولته، ويقوي من جيشها، ويرفع مستوى المعيشة لأفراد شعبه، ويحكم في المظالم، ويرد الحقوق لأهلها، ويجير المظلومين، ويعاقب الظالمين، ويقيم حق الله عز وجل على العباد، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويدافع عن كل ما يتعلق بالإسلام، ويوحد الصفوف والقلوب...

    لم يدركوا هذه المهام الجليلة للحاكم المسلم، كل ما كانوا يريدونه فقط هو البقاء أطول فترة ممكنة في كرسي الحكم, وتوريث الحكم لأبنائهم، وتمكين أفراد عائلتهم من رقاب الناس، وكذلك كانوا يحرصون على جمع الأموال الكثيرة، والتحف النادرة، ويحرصون على إقامة الحفلات الساهرة، وسماع الأغاني والموسيقى والإسراف في اللهو والطرب.

    حياة الحكام كانت حياة لا تصلح أن تكون لفرد من عوام أمة الإسلام فضلا عن أن تكون لحاكم أمة الإسلام.

    ولذلك فقد ضاعت هيبة الخلافة.. وتضاءلت طموحات الخليفة!..

    2- مصر والشام والحجاز واليمن: كانت هذه الأقاليم في أوائل القرن السابع الهجري في أيدي الأيوبيين أحفاد صلاح الدين الأيوبي، ولكنهم -للأسف- لم يكونوا على شاكلة ذلك الرجل العظيم، بل تنازعوا الحكم فيما بينهم, وقسَّموا الدولة الأيوبية الموحدة (التي هزمت الصليبيين في حطين هزيمة منكرة) إلى ممالك صغيرة متناحرة!! فاستقلت الشام عن مصر، واستقلت كذلك كل من الحجاز واليمن عن الشام ومصر.. بل وقسمت الشام إلى إمارات متعددة متحاربة!!.. فانفصلت حمص عن حلب ودمشق.. وكذلك انفصلت فلسطين والأردن، وما لبثت الأراضي التي كان حررها صلاح الدين من أيدي الصليبيين أن تقع من جديد في أيديهم بعد هذه الفرقة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!.

    3- بلاد المغرب والأندلس: كانت تحت إمرة "دولة الموحدين".. وقد كانت فيما سبق دولة قوية مترامية الأطراف تحكم مساحة تمتدّ من ليبيا شرقًا إلى المغرب غربًا، ومن الأندلس شمالًا إلى وسط أفريقيا جنوبًا.. ومع ذلك ففي أوائل القرن السابع الهجري كانت هذه الدولة قد بدأت في الاحتضار.. وخاصةً بعد موقعة "العقاب" الشهيرة سنة 609هـ، والتي كانت بمثابة القاضية على هذه الدولة الضخمة.. دولة الموحدين..

    4- خوارزم: كانت الدولة الخوارزمية دولة مترامية الأطراف، وكانت تضم معظم البلاد الإسلامية في قارة آسيا.. تمتد حدودها من غرب الصين شرقًا إلى أجزاء كبيرة من إيران غربًا.. وكانت هذه الدولة على خلاف كبير مع الخلافة العباسية.. وكانت بينهما مكائد ومؤامرات متعددة، ومالت الدولة الخوارزمية في بعض فترات من زمانها إلى التشيع، وكثرت فيها الفتن والانقلابات، وقامت في عصرها حروب كثيرة مع السلاجقة والغوريين والعباسيين وغيرهم من المسلمين..

    5- الهند: كانت تحت سلطان الغوريين في ذلك الوقت، وكانت الحروب بينهم وبين دولة خوارزم كثيرة ومتكررة..

    6- فارس: وهي إيران الحالية، وكانت أجزاء منها تحت سلطان الخوارزميين، وكانت الأجزاء الغربية منها -والملاصقة للخلافة العباسية- تحت سيطرة طائفة الإسماعيلية، وهي طائفة من طوائف الشيعة كانت شديدة الخبث، ولها مخالفات كثيرة في العقيدة جعلت كثيرًا من العلماء يخرجونهم من الإسلام تمامًا.. خلطت طائفة الإسماعيلية الدين بالفلسفة، وكانوا أصلًا من أبناء المجوس؛ فأظهروا الإسلام وأبطنوا المجوسية، وتأولوا آيات القرآن على هواهم، وهم إحدى فرق الباطنية، الذين يؤمنون بأن لكل أمـر ظاهر في الدين أمرًا آخـر باطنًا خفيًّا لا يعلمه إلا بعض الناس (وهم من أولئك الناس) ولا يُطلعون أحدًا على تأويلاتهم، إلا الذين يدخلون معهم في ملتهم، وهم ينكرون الرسل والشرائع، ومن أهم مطالبهم "الملك والسلطان"؛ ولذلك فهم مهتمون جدًا بالسلاح والقتال.

    وعلى العموم، فإن "الإسماعيلية" من أخطر طوائف الباطنية، وقد كانت سببًا دائمـًا لتحريف العقيدة والدين، ولقلب أنظمة الحكم الإسلامية، ولاغتيال الشخصيات الإسلامية البارزة، سواء كانوا خلفاء أو أمراء أو علماء أو قوادًا.

    7- الأناضول (تركيا): وهذه المنطقة كانت تُحكم بسلاجقة الروم، وأصول السلاجقة ترجع إلى الأتراك، وكان لهم في السابق تاريخ عظيم وجهاد كبير، وذلك أيام القائد السلجوقي المسلم الفذ "ألب أرسلان" رحمه الله، ولكن للأسف فإن الأحفاد الذين كانوا يحكمون هذه المنطقة الحساسة والخطيرة والملاصقة للإمبراطورية البيزنطية كانوا على درجة شنيعة من الضعف أدت إلى مواقف مؤسفة من الذل والهوان.

    ونلاحظ أنه قد انتشرت فيها الفتن والمؤامرات، وتعددت فيها الحروب بين المسلمين وإخوانهم في الدين، وكثرت فيها المعاصي والذنوب، وعم الترف والركون إلى الدنيا.. وهانت الكبائر على قلوب الناس.. حتى كثر سماع أن هذا ظلم هذا، وأن هذا قتل هذا، وأن هذا سفك دم هذا.. يقال هذا الكلام بدم بارد.. وكأن الأرواح التي تزهق ليست بأرواح بشر!..

    وقد عُلم على وجه اليقين أن من كان هذا حاله فلا بد من استبداله!!..

    وأصبح العالم الإسلامي ينتظر كارثة تقضي على كل الضعفاء في كل هذه الأقطار، ليأتي بعد ذلك جيل من المسلمين يغير الوضع، ويعيد للإسلام هيبته، وللخلافة قوتها ومجدها..

    القوة الثانية في الأرض في أوائل القرن السابع الهجري كانت قوة الصليبيين.
    وكان المركز الرئيس لهم في غرب أوروبا، حيث لهم هناك أكثر من معقل.. وقد انشغلوا بحروب مستمرة مع المسلمين.. فكان نصارى إنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا يقومون بالحملات الصليبية المتتالية على بلاد الشام ومصر، وكان نصارى أسبانيا والبرتغال-وأيضًا فرنسا- في حروب مستمرة مع المسلمين في الأندلس..

    وبالإضافة إلى هذا التجمع الصليبي الضخم في غرب أوروبا كانت هناك تجمعات صليبية أخرى في العالم، وكانت هذه التجمعات أيضًا على درجة عالية من الحقد على الأمة الإسلامية، وكانت الحروب بينها وبين العالم الإسلامي على أشدها، وكانت أشهر هذه التجمعات كما يلي:

    1- الإمبراطورية البيزنطية: وحروبها مع الأمة الإسلامية شرسة وتاريخية، ولكنها كانت في ذلك الوقت في حالة من الضعف النسبي والتقلص في القوة والحجم؛ فلم يكن يأتي من جانبها خطر كبير، وإن كان الجميع يعلم قدر الإمبراطورية البيزنطية.

    2- مملكة أرميني: وكانت تقع في شمال فارس وغرب الأناضول، وكانت أيضًا في حروب مستمرة مع المسلمين، وخاصة السلاجقة.

    3- مملكة الكُرج: وهي دولة جورجيا حاليًا، ولم تتوقف الحروب كذلك بينها وبين أمة الإسلام، وتحديدًا مع الدولة الخوارزمية.

    4- الإمارات الصليبية في الشام وفلسطين وتركيا: وهذه الإمارات كانت تحتل هذه المناطق الإسلامية منذ أواخر القرن الخامس الهجري (بدءًا من سنة491 هجرية).

    وعلى الرغم من انتصارات صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله - على القوات الصليبية في حطين وبيت المقدس وغيرها إلا أن هذه الإمارات لا زالت باقية، بل ولا زالت من آن إلى آخر تعتدي على الأراضي الإسلامية المجاورة غير المحتلة، وكانت أشهر هذه الإمارات: أنطاكية وعكا وطرابلس وصيدا وبيروت.

    وهكذا استمرت الحروب في كل بقاع العالم الإسلامي تقريبًا، وزادت جدًا ضغائن الصليبيين على أمة الإسلام.. وشاء الله سبحانه تعالى أن تكون نهاية القرن السادس الهجري سعيدة جدًا على المسلمين، وتعيسة جدًا على الصليبيين، فقد أذن الله عز وجل في نهاية القرن السادس الهجري بانتصارين جليلين لأمة الإسلام على الصليبيين.. فقد انتصر البطل العظيم "صلاح الدين الأيوبي" رحمه الله على الصليبيين في موقعة "حطين" في الشام، وذلك في عام 583 هجرية، وبعدها بثماني سنوات فقط انتصر البطل الإسلامي الجليل "المنصور الموحدي" -رحمه الله- زعيم دولة الموحدين على نصارى الأندلس في موقعة "الأرك" الخالدة في سنة591 هـ.

    وبالرغم من هذين الانتصارين العظيمين إلا أن المسلمين في أوائل القرن السابع الهجري كانوا في ضعف شديد، وذلك بعد أن تفكك شمل الأيوبيين بوفاة صلاح الدين الأيوبي، وكذلك انفرط عقد الموحدين بعد وفاة المنصور الموحدي، غير أن الصليبيين كانوا كذلك في ضعف شديد لم يمكنهم من السيطرة على البلاد المسلمة، وإن كانت رغبتهم في القضاء عليها قد زادت.

    وبينما كان هذا هو حال الأرض في ذلك الوقت، ظهرت قوة جديدة ناشئة قلبت الموازين، وغيرت من خريطة العالم، وفرضت نفسها كقوة ثالثة في الأرض.. أو تستطيع أن تقول: إنها كانت القوة الأولى في الأرض في النصف الأول من القرن السابع الهجري.

    هذه القوة هي قوة دولة التتار أو المغول!!..
    من هم التتار؟
    ظهرت دولة التتار في سنة 603 هـ تقريبًا، وكان ظهورها الأول في "منغوليا" في شمال الصين، وكان أول زعمائها هو "جنكيزخان".

    وجنكيزخان كلمة تعني: قاهر العالم، أو ملك ملوك العالم، أو القوي.. حسب الترجمات المختلفة للغة المنغولية.. واسمه الأصلي "تيموجين".. وكان قائدًا عسكريًّا شديد البأس وسفاكًا للدماء، وكانت له القدرة على تجميع الناس حوله.

    بدأ جنكيزخان في التوسع تدريجيًّا في المناطق المحيطة به، وسرعان ما اتسعت مملكته حتى بلغت حدودها من كوريا شرقًا إلى حدود الدولة الخوارزمية الإسلامية غربًا، ومن سهول سيبريا شمالًا إلى بحر الصين جنوبًا.. أي أنها كانت تضم من دول العالم حاليًا: (الصين ومنغوليا وفيتنام وكوريا وتايلاند وأجزاء من سيبيريا.. إلى جانب مملكة لاوس وميانمار ونيبال وبوتان)!!

    ويطلق اسم التتار -وكذلك المغول- على الأقوام الذين نشئوا في شمال الصين في صحراء "جوبي"، وإن كان التتار هم أصل القبائل بهذه المنطقة.. ومن التتار جاءت قبائل أخرى مثل قبيلة "المغول"، وقبائل "الترك" و"السلاجقة" وغيرها، وعندما سيطر "المغول" -الذين منهم جنكيزخان- على هذه المنطقة أطلق اسم "المغول" على هذه القبائل كلها.

    وكان للتتار ديانة عجيبة، هي خليط من أديان مختلفة.. فقد جمع جنكيزخان بعض الشرائع من الإسلام والبعض من المسيحية، والبعض من البوذية، وأضاف من عنده شرائع أخرى، وأخرج لهم في النهاية كتابًا جعله كالدستور للتتار وسمى هذا الكتاب بـ "الياسك" أو "الياسة" أو"الياسق".

    وكانت حروب التتار تتميز بأشياء خاصة جدًّا مثل:

    1- سرعة انتشار رهيبة.
    2- نظام محكم وترتيب عظيم.
    3- أعداد هائلة من البشر.
    4- تحمل ظروف قاسية.
    5- قيادة عسكرية بارعة.
    6- أنهم بلا قلب!! فكانت حروبهم حروب تخريب غير طبيعية.. فكان من السهل جدًّا أن ترى في تاريخهم أنهم دخلوا مدينة كذا أو كذا، فدمروا كل المدينة وقتلوا سكانها جميعًا.. لا يفرقون في ذلك بين رجل وامرأة، ولا بين رضيع وشاب، ولا بين صغير وشيخ، ولا بين ظالم ومظلوم، ولا بين مدني ومحارب!! إبادة جماعية رهيبة، وطبائع دموية لا تصل إليها أشد الحيوانات شراسة.

    وكما يقول الموفق عبد اللطيف في خبر التتار: "وكأن قصدهم إفناء النوع، وإبادة العالم، لا قصد الملك والمال".

    7- رفض قبول الآخر.. والرغبة في تطبيق مبدأ "القطب الواحد!".. فليس هناك طرح للتعامل مع دول أخرى محيطة.. والغريب أنهم كانوا يتظاهرون دائمًا بأنهم ما جاءوا إلا ليقيموا الدين، ولينشروا العدل، وليخلصوا البلاد من الظالمين!!

    8- أنهم لا عهد لهم.. فلا أيسر عندهم من نقض العهود وإخلاف المواثيق.. لا يرقبون في مؤمن إلًا ولا ذمة.. كانت هذه صفة أصيلة لازمة لهم، لم يتخلوا عنها في أي مرحلة من مراحل دولتهم منذ قيامها وإلى أن سقطت.

    هذه هي السمات التي اتصف بها جيش التتار، وهي صفات تتكرر كثيرًا في كل جيش لم يضع في حسبانه قوانين السماء وشريعة الله عز وجل.. فالذي يملك القوة ويفتقر إلى الدين لابد أن تكون هذه صورته.. قد يتفاوتون في الجرائم والفظائع.. لكنهم في النهاية مجرمون.

    كانت حروب المرتدين قريبًا من هذا.. كذلك حروب الفرس.. وكذلك كانت حروب الرومان.. وكذلك كانت حروب الصليبيين في الشام ومصر.. وكذلك كانت حروب الصليبيين في الأندلس.. ثم سار على طريقتهم بعد ذلك أتباعهم من المستعمرين الأسبان والبرتغال والإنجليز والفرنسيين والطليان واليهود، ثم الأمريكان!!

    قد يختلف الشكل الخارجي.. وقد تختلف الوجوه والأجسام.. ولكن القلوب واحدة.. حقد وضغينة وشحناء وبغضاء على كل ما هو مسلم، أو كل ما هو حضاري.

    وسبحان الله إذ يقول في حقهم جميعًا: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}[الذاريات:53].

    إذن.. كملخص للقوى الموجودة على الساحة في أوائل القرن السابع الهجري نستطيع أن نقول: إنه كانت هناك ثلاث قوى رئيسية:

    1- قوة الأمة الإسلامية:
    وهي قوة ذات تاريخ عظيم.. وأمجاد معروفة، لكنها تمر بفترة من فترات ضعفها.. وهذا الضعف - وإن كان شديدًا - إلا أنه لم يسقط هيبة الأمة تمامًا؛ لأن أعداءها كانوا يعلمون أن أسباب النصر وعوامل القوة مزروعة في داخل الأمة، وإنما تحتاج إلى من يستخرجها وينميها فقط.

    2- قوة الصليبيين:
    وهم وإن كانوا أيضًا في حالة ضعف، وفي حالة تخلف علمي وحضاري شديد بالمقارنة بالأمة الإسلامية.. إلا أنهم قوة لا يستهان بها؛ لكثرة أعدادهم، وشدة حقدهم، وإصرارهم على استكمال المعركة مع المسلمين إلى النهاية.

    وصدق الله العظيم إذ يصفهم بقوله: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُو}[البقرة: 217].

    وكانت قوة الإسلام وقوة الصليبيين تمثلان معًا قوة العالم القديم في ذلك الوقت.

    3- قوة التتار:
    وهي قوة همجية بشعة.. وهي قوة بلا تاريخ.. وبلا حضارة.. ظهرت فجأة.. وليس عندها مخزون ثقافي أو حضاري أو ديني يسمح لها بالتفوق على غيرها.. فكان لا بد لها من الاعتماد على القوة الهمجية والحرب البربرية لفرض سطوتها على من حولها..

    وكانت قوة التتار تمثل العالم الجديد في ذلك الوقت..

    ومن سنة الله عز وجل أن يحدث الصراع بين القوى المختلفة.. والتدافع بين الفرق المتعددة.. ومن سنة الله عز وجل كذلك أن الأقوياء المفتقرين إلى الدين لا يقبلون بوجود الضعفاء إلى جوارهم.. ومن سنة الله عز وجل أيضًا أن الباطل - مهما تعددت صوره – لا بد أن يجتمع لحرب الحق.. ومن سنة الله عز وجل كذلك أن الحرب بين الحق والباطل لا بد أن تستمر إلى يوم القيامة.

    إذا وضعنا كل هذه السنن في أذهاننا، فإننا يجب أن نتوقع تعاونًا بين التتار والصليبيين - على اختلاف توجهاتهم وسياستهم ونظرياتهم - لحرب المسلمين.

    وهذا -سبحان الله- ما حدث بالضبط!

    أرسل الصليبيون وفدًا رفيع المستوى من أوربا إلى منغوليا (مسافة تزيد على اثني عشر ألف كيلو متر ذهابًا فقط!!) يحفزونهم على غزو بلاد المسلمين، وعلى إسقاط الخلافة العباسية، وعلى اقتحام "بغداد" دُرَّة العالم الإسلامي في ذلك الوقت.. وعظموا لهم جدًّا من شأن الخلافة الإسلامية، وذكروا لهم أنهم - أي الصليبيين - سيكونون عونًا لهم في بلاد المسلمين، وعينًا لهم هناك.. وبذلك تم إغراء التتار إغراءً كاملًا.

    وقد حدث ما توقعه الصليبيون.. سال لعاب التتار لأملاك الخلافة العباسية، وقرروا فعلًا غزو هذه البلاد الواسعة الغنية بثرواتها المليئة بالخيرات.. هذا مع عدم توافق التتار مع الصليبيين في أمور كثيرة.. بل ستدور بينهم بعد ذلك حروب في أماكن متفرقة من العالم، ولكنهم إذا واجهوا أمة الإسلام، فإنهم يوحّدون صفوفهم لحرب الإسلام والمسلمين.. وهذا الكلام ليس غريبًا, بل هو من الطرق الثابتة لأهل الباطل في حربهم مع المسلمين.

    تعاون قبل ذلك اليهود مع المشركين لحرب الرسول صلى الله عليه وسلم مع الاختلاف الكبير في عقائد اليهود عن عقائد المشركين، بل تعاون الفرس مع الروم في حرب المسلمين مع شدة الكراهية بين الدولتين الكبيرتين فارس والروم، ومع الثارات القديمة، والخلافات المستمرة والحروب الطويلة.

    وتعاون الإنجليز مع اليهود لإسقاط الخلافة العثمانية، ولاحتلال فلسطين، وزرْع إسرائيل في داخل هذه الأرض المباركة، مع شدة العداء بين اليهود والنصارى.

    ويتعاون الروس مع الأمريكان الآن في القضاء على ما يسمونه الإرهاب الإسلامي، فتسهِّل روسيا لأمريكا حروبها في أفغانستان والعراق وفلسطين، على أن تسهِّل أمريكا لروسيا حربها في الشيشان، والضحية في الحالين من المسلمين.

    إذن.. اتحاد أهل الباطل في حربهم ضد المسلمين أمر متكرر، وسنّة ماضية.

    ولذلك، لا يستقيم أن يتعامل المسلمون بالمبدأ القائل: "عدو عدوي صديقي", بل لا بُدَّ أن يعرف المسلمون أعداءهم، ولا بد أن يعرفوا أيضًا أن عدو عدوهم قد يكون أيضًا عدوهم.. نعم قد تتم التحالفات بين المسلمين وبين بعض الأعداء لأجل معين ولهدف خاص.. ولكن ذلك يكون بلا تفريط في الدين، ولا تساهل في الحقوق، ويكون بحذر كاف، وإلى أجل معلوم.. لكن لا يصل الأمر أبدًا إلى الولاء والصداقة ونسيان الحقائق التي ذكرها الله عز وجل واضحة في كتابه الكريم، حيث قال: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120].

    والمهم في كل ذلك أن التتار بدءوا يفكرون جديًّا في غزو بلاد المسلمين، وبدءوا يخططون لإسقاط الخلافة العباسية ودخول بغداد؛ عاصمة الخلافة الإسلامية.
    فواز الخالدي
    فواز الخالدي


    المساهمات : 72
    تاريخ التسجيل : 04/12/2010

    ظهور التتار  Empty رد: ظهور التتار

    مُساهمة  فواز الخالدي الثلاثاء ديسمبر 21, 2010 7:52 pm

    مشكور وجزاك الله خير علا هذا الموضوع الحلو ياحلو
    avatar
    EH.L


    المساهمات : 76
    تاريخ التسجيل : 06/12/2010
    الموقع : الكويت

    ظهور التتار  Empty رد: ظهور التتار

    مُساهمة  EH.L الخميس ديسمبر 23, 2010 11:58 pm

    يعطيك الف الف عافيه وشاكرين جهودك الطيبه ونتمنى لك التقدم انشاءالله

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 8:35 am